أما بعد فيا أيها المؤمنون: قضت سنة الله سبحانه وتعالى أن الأمم لا تفنى والقوى لا تضعف إلا حين تسقط الهمم وتستسلم الشعوب لشهواتها فتتحول أهدافها من مثل عليا إلى شهوات دنيئة فتسود فيها الرذائل وتنتشر الفواحش بل تفتك بها الأمراض الخبيثة فلا تلبث أن تتلاشى وتضمحل وتذهب ريحها ويحق عليها قول الله تعالى:
وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا
أيها المسلمون: إن من أفحش الفواحش وأحط القاذورات جريمة الزنا، حرمه ربكم وجعله قرينا للشرك في سفالة المنزلة وفي العقوبة والجزاء.
قال تعالى: الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين
ويقول في الجزاء والعقوبة
والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا
وما ذلك إلا لأنه من أقبح القبائح يبدد الأموال وينتهك الأعراض ويقتل الذرية ويهلك الحرث والنسل، عاره يهدم البيوت و يطأطئ عالي الرؤوس، ويسود الوجوه البيضاء ويخرس ألسنة البلغاء، ويهبط بالعزيز إلى هاوية الذل والحقارة والإزدراء، هاوية ما لها من قرار ينزع ثوب الجاه مهما اتسع ويخفض عالي الذكر مهما علا، إنه لطخة سوداء إذا لحقت بتاريخ أسرة غبّرت كل صحائفها التقيه إنه شين لا يقتصر تلويثه على من قارفه بل يشين أفراد الأسرة كلها ويقضي على مستقبلها جميعها، إنه جرم فظيع وعمل شنيع وذنب عظيم وانحراف خلقي وانحطاط أدبي، وكبيرة من كبائر الذنوب، إنه العار الذي يطول حتى تتناقله الأجيال جيلا بعد جيل وبانتشاره تغلق أبواب الحلال و يكثر اللقطاء وتنشأ طبقات بلا هوية، طبقات شاذة حاقدة على المجتمع لا تعرف العطف ولا العلاقات الأسرية، فيعم الفساد ويتعرض المجتمع للسقوط، أليس الزنا يجمع خلال الشر كلها من الغدر والكذب والخيانة؟ أليس ينزع الحياء ويذهب الورع والمروءة ويطمس نور القلب ويجلب غضب الرب؟
قال تعالى: ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا
وفي هذه الآية يحذر الله عباده المؤمنين من النظرة الحرام ومن الابتسامة والكلام والموعد واللقاء من مجرد الاقتراب من الزنا رحمة بهم لأن الزنا فاحشة منكرة عقلا وشرعا، وطريق سوء موصّل إلى النار والدوافع عنيفة والعبد عليه أن يخفف هذه الدوافع أو يعدمها ومن حام حول الحمى يوشك أن يرتع فيه.
أيها الإخوة في الله: إن التقدير لحمى ذمار الأهل يفرض الاهتمام بالحرمات ولابد من تقوى الله ومراقبته، ولابد من الأخذ على أيدي السفهاء من باب الحرص على سلامة المسلم وعلى طهارة نفوس المسلمين والإبقاء على كرامتهم والحفاظ على شرف أنسابهم من أجل هذا نهى الله عباده المؤمنين أن تأخذهم بالزناة والزواني رأفة في دين الله وحكم عليهم بأشد العقوبات،
فقال سبحانه: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين
فمستحل الزنا كافر خارج من الدين، والواقع فيه غير المستحيل له فاسق أثيم، يرجم إن كان محصنا ويجلد ويغرب إن كان غير محصن أي متزوج لقول النبي ((البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام)) متفق عليه.
وأما الزانية والزاني اللذان سبق لهما الزواج وعرفا طريقه وجرباه ولو مرة، بنكاح صحيح ثم عدلا عنه إلى الزنا مسلمين كانا أو ذميين وهما بالغان عالمان حران فعقوبتهما الرجم بالحجارة حتى الموت هذا ما ثبت في السنة من أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله وأجمعت الأمة عليه بالنسبة لعقوبة الزنا.
ويشدد القرآن بتطبيقه عليهما دون ضعف ولا خور ولا نكوص عن أوامر الله في مشهد من الناس ليكون أوجع وأوقع وأشد في نفوس الفاعلين والمشاهدين وذلك لما يترتب على هذه الجريمة من اختلاط الأنساب، وتوريث الأجانب، وانتهاك الأعراض، وفقر الأغنياء، وانتشار الأمراض وما الزهري والسيلان والهربس والإيدز إلا من أسباب هذه الفاحشة اللعينة.
فالزنا هو الفاحشة الكبرى والسيئة العظمى، الذي حذّر منه القرآن وخوفت منه السنة، وترفعت عنه نفوس الأحرار، ومالت إليه ورغبت فيه نفوس الأشرار من الخبيثين والخبيثات، وأعداء الفضيلة والدين، وهو محرم في جميع الشرائع ومذموم في عامة القوانين، بل حتى عند القرود كما ورد بذلك الدليل، لا يفعله إلا من تجرد عن المروءة والحياء لا يقع فيه إلا أشد الناس فجورا من الرجال والنساء فالزنا كله خبيث لا يفعله إلا خبيث، وحسبك أيها المؤمن دليلا على حرمته وشدة النهي عنه قوله تعالى:
ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا
واعلم يا مسلم أن الله تبارك وتعالى لا يحرم شيئا، ولا يمنع من شيء إلا لما فيه من ضرر، وما يترتب عليه من البلاء، فالإنسان إذا زنا وتعلق قلبه بالزنا، تبددت ثروته ومحق ماله وجنى على شرفه، وأصبح أسير شهوته، وطوع إرادة الشيطان تتحكم فيه المومسات وينصرف عن زوجته الطاهرة إلى امرأة بغي خبيثة لا ترد عن نفسها يد لامس ولا تبالي بمن أتاها، ويكفي في دناءة الزنا أن الله يسلب الإيمان من الزاني.
عن أنس رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الإيمان سربال يسربله الله على من يشاء فإذا زنى العبد نزع منه سربال الإيمان فإن تاب رد عليه)) رواه أبو داود والترمذي والحاكم والبيهقي واللفظ له.
بل ونفي الإيمان عن الزاني حيث قال في الحديث المتفق عليه: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن))، وهذا كمال الإيمان لا أصل الإيمان.
وقال ابن القيم رحمه الله: (ويكفي في قبح الزنى أن الله سبحانه وتعالى مع كمال رحمته شرع فيه أبشع وأفحش القتلات وأصعبها وأفضحها، وأمر أن يشهد عباده المؤمنون تعذيب فاعله، والزنى يجمع خلال الشر كلها من قلة الدين وذهاب الورع وفساد المروءة وقلة الغيرة، فلا تجد زانيا معه ورع، ولا وفاء بعهد ولا صدق في حديث ولا محافظة على صديق، ولا غيرة تامة على أهله فالغدر والكذب والخيانة وقلة الحياء وعدم المراقبة وعدم الأنفة للحُرُم وذهاب الغيرة من القلب من شعبه وموجباته.
ومن موجباته غضب الرب ومنها الفقر اللازم وفي الأثر يقول الله تعالى: ((أنا الله مهلك الطغاة ومفقر الزناة)) ومنها أنه يذهب حرمة فاعله ويسقطه من عين ربه ومن أعين عباده، ومنها أنه يسلبه أحسن الأسماء وهو اسم العفة والبر والعدالة ويعطيه أضدادها كاسم الفاجر والفاسق والزاني والخائن.
ومنها أن يجرئه على قطيعة الرحم وعقوق الوالدين وكسب الحرام وظلم الخلق وإضاعة أهله وعياله، وربما قاده قسرا إلى سفك الدماء وربما استعان عليه بالسحر والشرك من حيث يدري أو لا يدري، فهذه المعصية لا تتم إلا بأنواع من المعاصي قبلها ومعها، ويتولد عنها أنواع أخرى من المعاصي بعدها.
فهي محفوفة بجندٍ من المعاصي قبلها وبعدها، وهي أجلب لشر الدنيا والآخرة، وأمنع شيء لخير الدنيا والآخرة، وإذا علقت بالعبد فوقع في حبائلها وأشراكها عز على الناصحين استنقاذه، وأعيا الأطباء دواؤه فأسيرها لا يُفدى وقتيلها لا يُودى وقد وكلها الله بزوال النعيم فإذا ابتلي بها عبد فليودع نعم الله فإنها ضيف سريع الانتقال وشيك الزوال
قال تعالى: ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم
وأما عذاب الآخرة فأشد وأبقى، عذاب تذهل له النفوس وتتقطع له الأفئدة وتشيب من هوله الرؤوس عذاب شديد وموجع وأليم ومهين.
وهذا بالنسبة للزناة والزواني اللذين لم يستوف منهم القصاص الدنيوي وماتا من غير توبة فإنهم يعذبون في قبورهم بالنار، كما في حديث سمرة بن جندب حديث خبر منام النبي أن جبريل وميكائيل جاءاه قال: ((فانطلقنا فأتينا على مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع فيه لغط وأصوات قال: فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة فإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا (أي صاحوا من شدة العذاب)، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الزناة والزواني، فهذا عذابهم إلى يوم القيامة))
وقد جاء من غير طريق عن النبي أنه قال: ((إن ريح فروج الزناة والزواني يؤذي أهل النار شدة نتنها))، وأخرج النسائي وغيره: ((محشر الزاني يوم القيامة أنتن من ريح الجيفة)).
وفي حديث عند أحمد وأبي يعلى وابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لا يدخلون الجنة مدمن الخمر، وقاطع الرحم، ومصدق بالسحر، ومن مات مدمنا للخمر سقاه الله عز وجل من نهر الغوطة، قيل: وما نهر الغوطة؟ قال: نهر يجري من فروج المومسات أي، الزواني، يؤذي أهل النار ريح فروجهن)).
فأهل النار يعذبون بنتن ريح الزناة
وعن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((بينما أنا نائم أتاني رجلان فأخذاني فأتيا بي جبلا وعرا وقالا لي: اصعد قلت: لا أطيقه، فقال :سهلة لك،... الخ حتى قال:... ثم انطلق بي فإذا بفوج أشد شيء انتفاخا، وأنتنه ريحا كأن ريحهم المراحيض فقلت: من هؤلاء، قال: هؤلاء الزانون والزواني))، فهذا بعض ما ورد في عذاب الزناة في القبور، وفي الآخرة أعظم عذابا وأشد تنكيلا.
فاتقوا الله عباد الله ولا تغتروا بطيب العيش ورغده وأنتم قائمون في معاصي الله وسخطه قال الشاعر:
مآرب كانت في الحياة لأهلها
متاعاً فصارت لهم في الممات عذابا
فذهبت تلك اللذات وأعقبت الحسرات، وانقضت الشهوات، وأورثت الشقوات تمتعوا قليلا وعذبوا طويلا رتعوا مرتعا وخيما فأعقبهم عذابا أليما أسكرتهم خمرة تلك الشهوات فما استفاقوا منها إلا في ديار المعذبين وأردتهم تلك الفعلة فما استيقظوا منها إلا وهم في منازل الهالكين فندموا والله أشد الندامة حين لا ينفع الندم وبكوا على ما أسلفوه بدل الدموع بالدم نعم ندموا والله، لأنهم رأوا حقيقة عذاب الله بعد أن كانوا يسمعون عنه رأوا تلك النار التي هي سبعون ضعفا من نار الدنيا ندموا في وقت لا ينفع فيه الندم
وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل
وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي
وقال تعالى:
ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون
حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون
وقالوا لجلودهم لِمَ شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون % وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون % وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين
الحمد لله أهل الحمد ومستحقه لا إله غيره ولا رب سواه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما.
أما بعد:
أعلموا أيها الإخوة أن الزنا كبيرة من كبائر الذنوب وأن صاحبه يستحق العقوبة إن لم يتب وهو قرين الشرك بالله.
وهو على مراتب: فمثلا الزنا بأجنبية لا زوج لها عظيم وأعظم منه بأجنبية لها زوج، وأعظم منه الزنا بذات محرم كالأخت والخالة والعمة وزوجة الأب وزنا الثيب أقبح من زنا البكر بدليل اختلاف حديهما، وزنا الشيخ الكبير لكمال عقله أقبح من زنا الشاب، ولا نقصد بهذه المراتب التهاون في بعضها، بل إن الزنا بمفهومه العام من قريب أو بعيد هو إثم وجرم عظيم لكن يعظم ويفحش بحسب هذه المراتب ولهذا كان أعظمه وأكبره عند الله جرما وأشده إثما وأكثر عذابا يوم القيامة أن يزني الرجل بحليلة جاره أو امرأة مغيبه (وهي التي غاب عنها زوجها) لما فيه من اعتداء لحق الجار والخيانة له، والغائب الذي أمّنك على أهله، ووثق بك في ماله وبيته وزوجته وبنته، فما لبث عدو الله أن زجّ بدينه وكرامته في الشر والفساد وعبث بكرامة غيره، وأحق الناس عليه وألصقهم به، فيثب على امرأته ويسلبها العفاف والشرف ويفضي بها وبدارها إلى الخراب، وسوء المستقبل بالطلاق والفراق وكراهة الناس لها وتمزيق عرض زوجها، وغيرته التي تقتله حينا وتحمله على الانتقام حينا آخر.
وقد ورد في صحيح مسلم عن ابن مسعود قال: ((سألت رسول الله : أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك، قلت: إن ذلك لعظيم، قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تزني بحليلة جارك))، وروى الإمام أحمد رحمه الله بسند رواته ثقات أنه قال لأصحابه: ((ما تقولون في الزنا؟ قالوا: حرام حرمه الله ورسوله فهو حرام إلى يوم القيامة فقال لأصحابه: لأن يزني الرجل بعشرة نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره)). وفي رواية لمسلم أيضا قال: ((حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم ما من رجل من القاعدين يخلف رجلا من المجاهدين في أهله ثم يخونه فيهم إلا وقف له يوم القيامة فيأخذ من حسناته ما شاء حتى يرضى)) ثم قال ((فما ظنكم؟)) أي هل تظنون أنه يبقي له حسنة واحدة كلا والله بل لا يترك له شيئا، وزاد النسائي في روايته: ((أترونه يدع له من حسناته شيء)).
وقد ورد أحاديث كثيرة في الترهيب من الزنا وعقوبة فاعليه في الدنيا والآخرة فقد روى الإمام مسلم في صحيحه قال ((ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل، أي فقير مستكبر)).
وروى أبو يعلى بسند حسن قال : ((ما ظهر في قوم الزنا والربا إلا أحلوا بأنفسهم عذاب الله)).
وجاء عنه أنه قال: ((ما من ذنب بعد الشرك أعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في رحم لا يحل له)).
وهذا أيها الأحبة إن زنا بها وإلا فمجرد اللمس هو من الكبائر ولا يجوز له بل ولا يحل لأي رجل أن يمس امرأة أو يصافحها إذا كانت من غير محارمه وقد ورد في ذلك وعيد شديد عنه
فقال: ((لأن يطعن أحدكم في رأسه بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له)) وهو حديث صحيح.
ففي هذا الحديث وعيد شديد لمن مس امرأة لا تحل وفيه دليل تحريم مصافحة النساء من غير المحارم، لأن ذلك مما يشمله النهي دون شك وقد بلي بهذا كثير من المسلمين في هذا العصر فيجب التنبيه لهذا الأمر والتحذير منه.
فاتق الله يا مسلم وراقب ربك وحافظ على إيمانك وعرضك وتجنب هذه الفاحشة الفظيعة وأحب لأخيك ما تحب لنفسك، واعلم أن ما تفعله أنت من الخير والشر قد يكون سببا لأن يفعله أهلك وأولادك لكل متسبب جزاء على سببه وقد قيل قديما دقة بدقة ولو زدت زاد السقا.
وقد ذكر محمود شيت خطاب في كتاب عدالة السماء قصة مضمونها أنه كانت لرجل أرض زراعية يأتيه من مغلّها عام ما يقوته هو وعياله وكان يذهب إليها وقت الحصاد وفي سنة من السنوات انشغل ولم يستطع الذهاب فأرسل ابنه وفي خلال سفر الابن جاء السقا إلى بيت هذا الرجل بالماء على عادته فلما غفل ذهب وقبل ابنته ثم هرب، ثم ما لبث أن جاء ابنه ثم سأله عن سفرته فأخبره خبره ولكن الأب قال له: هل قبلت امرأة في الطريق؟ فدهش الابن من هذا السؤال لأنه لم يخبر والده به أثناء سرد قصة سفرته ولكنه ما لبث أن اعترف وقال: نعم يا أبي لقد رأيت امرأة فأعجبتني فقبلتها ثم هربت ولم أزد على ذلك شيئا فقال له أبوه: وهكذا فعل السقا بأختك ولو زدت زاد السقا.
وقديما قال الشاعر (الشافعي) رحمه الله:
إن الزنا دين إذا أقرضته
كان الوفا من أهل بيتك فاعلم
وقيل أيضا:
من يزن يزني به ولو بجداره
إن كنت يا هذا لبيبا فافهم
وكان أحد الملوك القدماء قد قبل امرأة في صغره فلما سمع أنه يؤخذ بمثله من ذرية الزاني أراد التجربة فأرسل ابنته مع امرأة فقيرة وقد تنكرت وكانت فائقة الجمال وأمرها أن تكشف وجهها وتمشي بين الناس وتتعرض لهم فما مرت بها على أحد إلا أطرق رأسه عنها حياء وخجلا حتى إذا كانت في طريق رجعتها وقربت من قصر أبيها لتدخل أمسكها إنسان وقبلها ثم ذهب عنها، فأدخلتها عليه فسألها عما وقع فذكرت له القصة فسجد لله شكرا وقال: الحمد لله ما وقع مني في عمري قط إلا قبلة لامرأة وقد قوضيت بها.
أيها الأخ المسلم: إنك لا ترضى أن يعتدي أحد على حرمك فكيف يرضى البعيد ذلك الاعتداء على حرم غيره، وقد ورد في الحديث الصحيح أن رسول الله
قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))، وقال: ((من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة)) رواه البخاري، وهناك زنا آخر دون ما تقدم موجب للإثم والعقوبة الأخروية وقد يكون سببا للوقوع في الزنا الأكبر وهو زنا الجوارح قال رسول: ((زنا العين النظر، وزنا اللسان النطق وزنا اليدين البطش وزنا الرجلين الخطى والنفس تتمنى والفرج يصدق ذلك أو يكذبه)).
فاتق الله يا مسلم في أعراض الناس، اتق الله وخذ بأوامر الإسلام تنج وتفلح، اتق الله ولا تقحم نفسك في المخاطر والمهالك فإن من هتك عرض أخيه هتك الله عرضه وقد ورد عنه أنه قال: ((يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من يتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته)) رواه الترمذي وأحمد وأبو داود وهو حديث حسن.
فكما تدين تدان وكيفما تكن يكن الله لك.
واتق الله يا مسلم وتب إلى ربك يتب عليك بل يحبك
إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا