حاورته:آسيا شلابي
قلت لمبارك: تفصلنا آلاف الكيلومترات عن اليهود ونستيقظ على الخامسة
وتفصلكم بضع كيلومترات وتنام حتى منتصف النهار
المجاهد والعقيد المتقاعد المعروف باسمه الحربي، سي فضيل، كان أول طيار هبط بمطار غرب القاهرة في حرب 67، كما أنه كان المسؤول المباشر عن حسني مبارك في مهمة اقتادته إلى جنوب الجزائر سنة 68 اختار"الشروق"، التي ردت الاعتبار للجزائر والجزائريين بعد حملة الإساءة المصرية التي لم ترحم حتى الشهداء والعلم الوطني، ليفضح أسرارا جد خاصة عن الرئيس مبارك وينتقد رد فعل الأسرة الثورية المتأخر جدا، وليكشف عن حقائق مثيرة عايشها في حرب الـ 67.
كنت أول طيار وصل إلى مطار غرب القاهرة عام 1967، وبسبب مباراة في كرة القدم تجاوز المصريون كل الخطوط الحمراء في التطاول على الجزائر شعبا ودولة ورموزا وأظهر إعلامهم وقاحة وصلت حد سب الشهداء.. كيف تعامل العقيد سي فضيل مع هذا الوضع؟
إذا ظنوا أن شعارات التهدئة التي بدأوا يرفعونها قد تنسينا إساءتهم التي لا تغتفر مهما طال الزمن، فهم مخطئون جدا. فنحن لن نغفر لهم سب الشهداء.وتشبيههم باللقطاء.. إنها جريمة شنعاء بكل المقاييس ولن تمر مرور الكرام. أما عن تجربتي الخاصة مع المصريين فتعود إلى عام 1967 حينها تعرفت على سلبياتهم، وتأكدت بأن بعضهم، وليس غالبيتهم طبعا، لا يعرف معنى الكفاح ولا يملك أي شجاعة في المواجهة، وبأن ما يتغنون به من مصطلحات "السلم والتحضر" وتبجحهم في الافتخار بأمجاد أكل عليها الدهر وشرب ما هي إلا غطاءات لإخفاء جبنهم
طيارونا ذهبوا إلى القاهرة في 67 دون وثائق ولا مال
يفهم من كلامكم أنكم ندمتم على التطوّع في حرب 1967؟
أبدا.. ما فعلناه لم يكن إلا من أجل فلسطين وذودا عن حياض العروبة والإسلام، ولأننا نحن الجزائريين بطبعنا نملك نخوة وكبرياء خاصين ونرفض الحڤرة فما كان علينا إلا أن نلبي النداء ونقف إلى جنب الشعب المصري "المحڤور" المغلوب على أمره. للأسف نخوة الجزائريين تقف دائما حائلا أمام أي تراجع فكنا دائما المبادرين إلى التضحية في سبيل العروبة والقومية ولا ننتظر مقابلا، ولكن...
وكيف جاءت فكرة انضمامك إلى سرب الطيران الذي توّجه إلى غرب القاهرة سنة 1967؟
أولا، أشير إلى أن المهمة لم تكن إجبارية وإنما تطوعية. ووجدت يومها أنه من الواجب علي أن أكون القدوة وأن أتطوّع بناء على طلب من آيت مسعودان، قائد سلاح الطيران في الجيش الوطني الشعبي حينها، والذي شغل جهاز قياس الوقت (كرونوميتر) وأمرنا بالإقلاع في نفس اليوم. تطوّع عدد هائل من الطيارين الجزائريين الذين عاشوا مفاجآت بالجملة هناك، وأنساهم هذا النداء أخذ وثائقهم والنقود.
أين ذهبت الـ 12 مليون فرنك التي أخذها المصريون منا دون أن يسلمونا سلاحا؟
ماذا تقصد بالمفاجآت؟ أو بمعنى آخر ما الذي حدث بالضبط عند هبوطكم في مطار غرب القاهرة؟
كنت أول من هبط في مطار غرب القاهرة، وكان المكان خاليا من برج المراقبة، وكنت معرضا للقصف من الجيش المصري نفسه في غياب أي إشارة هبوط، لأنهم هربوا وتركوا المطار بدون دليل. مطار مليء بالحفر الكبيرة من جراء القصف، ولم أجد أحدا هناك فقمت بتغطية الحفر في انتظار هبوط بقية الرفقاء. وهنا أشير إلى أننا لم نلتق أي طيار مصري طيلة عشرة أيام وكانت مهمتنا الرفع من روحهم المعنوية التي غاب عنها حلم النصر.. وهم الذين كانوا منشغلين في الحدود بحفل لأم كلثوم، بينما أنجز الصهاينة مهمتهم العسكرية.
ما هي أهم الذكريات التي لازلتم تحتفظون بها عن حرب 1967 أو كما يسميها المؤرخون المصريون "النكسة"؟
أذكر أن البدلة العسكرية للطيارين الجزائريين والصهاينة كانت نفسها، لأنها مقتناة من نفس الشركة بسويسرا، وكان الفرق الوحيد في القبعات التي كنا نرتديها والتي كانت تحمل العلم الجزائري. واستغربنا عند وصولنا إلى فندق مصر الجديدة حين طلب منا جنرال مصري نزع القبعات، فرفضنا طبعا وقلت له بالكلمة "لماذا؟.. لا تقولون بأنكم أسرتم إسرائيليين". وأتذكر أيضا بأنني رأيت شخصا أعرفه في الفندق وكان أحد عناصر المخابرات المصرية، فقد سبق لي وأن التقيته سنة 1960.. لم أشأ الحديث عن هذا ولكن شتم الشهداء، أخرجني عن صمتي، وأؤكد أن دم شهدائنا غسل صحراء سيناء، ففي سنة 1967 استشهد "كومندو سكيكدة"، وفي الجزائر لا يوجد دم مصري ليتباهوا بفضلهم علينا في نيل الاستقلال. نحن نلنا الاستقلال بتضحياتنا الجسام والذين يدعّون الفضل علينا أخذوا 12 مليون فرنك فرنسي لشراء السلاح وبعد إعلان وقف إطلاق النار لم نتسلم لا المبلغ ولا السلاح.
تصف مصر حرب 67 بـ "النكسة العربية" في حين تنسب الانتصار لنفسها فقط في حرب 1973.. لماذا برأيكم يعاني المصريون من الشوفينية ويحبون تمثيل دور الأمومة على الدول العربية في كل شيء؟
الجزائر شاركت نساء ورجالا في حربي مصر مع إسرائيل ولا يمكن لمصر إنكار هذا والتاريخ لا يهمل صغيرة ولا كبيرة. وداء الشوفينية اكتشفته كما سبق وأن قلت في الستينيات وعليه فإنني لا أستغرب أنه تجذر منذ ذلك الوقت إلى يومنا، بل وتضاعف. وببساطة فإننا إذا أردنا معرفة سبب جبن جزء من الطيران المصري في حرب 67 ، فالأمر بسيط، ويتمثل في كون نفس الطيران محتكر من طرف أبناء البورجوازية والطبقة الأرستقراطية، في حين أن أبناء الشعب "الزوالي" هم من يشكلون قواعد الطيران الجزائري. ولا يمكن أن ننتظر إنجازا حربيا من أبناء مدللين يعيشون عالة على الشعب المسكين. وأضيف أن ثقافة "البقشيش" مثلا كانت هي الأخرى منذ سنوات وليست جديدة على المجتمع المصري. وعليه فإنه من ليس فيه خير لشعبه لا يمكن أن ننتظر منه خيرا للشعوب الأخرى، ولأن هذا الشبل من ذاك الأسد، فإن الطيور على أشكالها تقع.
الرئيس المصري حسني مبارك سيعرفني بمجرد رؤيته صورتي على جريدتكم
رغم ما كشفت عنه باعتبارك واحدا ممن شاركوا في حرب 67، إلا أن الجزائر ساعدتهم أيضا في حرب 73 التي نسبوا انتصارها لهم فقط.
فعلا، ولكن مشاركة الجزائر في حرب 73 نسميها عسكريا "تمرين حرب"، وتعمدنا المساعدة لإرجاعهم إلى الطريق وإلى جادة الصواب من أجل إخواننا الفلسطينيين. والجزائر لا تمن على أحد بما تبذل من تضحيات وليست حرب 67 المهمة الوحيدة التي قمت بها شخصيا، ولكن هناك أسرار ليست للبوح، وأذكر أن ما جعلني أخرج عن صمتي هو حرق العلم الوطني والإساءة للشهداء الذين استهانوا بقيمتهم وارتكبوا في حقهم جرما سيحاسبهم التاريخ عليه.
سمعنا بأنك عرفت حسني مبارك عن قرب وكنت مسؤولا عنه طيلة مدة إقامته في الجزائر.
التقيت بالطيار حسني مبارك في الجزائر، وبالضبط في إحدى قواعدنا الجوية بالجنوب الجزائري كان ذلك في سنة 1968 بمناسبة مهمة اقتادته إلينا. وأذكر بأن قائد الأركان في الجيش المصري زار الجزائر يومها وهنأنا على مشاركتنا الفعالة في حرب 67 .
كيف تعاملت مع حسني مبارك يومها، خاصة وأنكما كنتما تحملان نفس الرتبة العسكرية ورغم ذلك قام بمهمته تحت إمرتك بعد حادثة نريد أن تطلعنا على تفاصيلها؟
يضحك.. أنا متأكد من أن الرئيس المصري حسني مبارك سيعرفني بمجرد رؤيته صورتي على جريدتكم، لأنه لن ينساني خاصة وأنني لقنته درسا يبدو أنه لم يفهمه جيدا. بدليل أنه لم يستيقظ باكرا في لقاء الجزائر ومصر بالخرطوم.
ويبدو أن الفارق الزمني بيننا وبين مصر لايزال خمس ساعات بتوقيت مبارك وسيبقى بعد أن فشل في استيعاب خلاصة درس سنة 68 .
وجدت مبارك مستلقيا على فراشه على العاشرة صباحا فضربت الطاولة
هل لنا أن نعرف مضمون الدرس بالتفصيل؟
نهضت ذات يوم كعادتي على الساعة الخامسة صباحا وحلقت بالطائرة في طلعة استكشافية لمعرفة حالة الجو وبعد الهبوط عقدنا اجتماعا روتينيا لتقديم التفاصيل، اتجهت بعدها إلى برج المراقبة لتوجيه الرحلات. وفي حدود الساعة العاشرة والنصف توجهت إلى نادي الضباط لتناول فنجان قهوة، وهناك شاهدت مصريا يحمل صينية بها فطورا متكاملا من الزبدة إلى القهوة، تقدمت منه وسألته "إلى أين؟"، فقال لي إنها لحسني أفندم. فرافقته إلى الغرفة لأجد حسني مبارك مستلقيا على فراشه مرتديا منامته، فما كان مني إلا أن ضربت الطاولة وألقيت بالصينية أرضا وطلبت منه اللحاق بي بعد دقيقيتين. ولأنني "بربري" استعنت بمترجم، لأنني لا أفهم اللهجة المصرية فخاطبته قائلا: "تفصلنا آلاف الكيلومترات عن اليهود ونستيقظ على الساعة الخامسة صباحا وتفصلكم بضع كيلومترات وتنام إلى منتصف النهار".
وكيف كان رد فعل حسني مبارك؟
على ما أظن فإنه أرسل إشارة إلى مسؤوليه، فمباشرة بعد الحادثة اتصل بنا العقيد حسان، الملحق العسكري المصري بالجزائر، وقصد القاعدة، حيث التقى يحيى رحال وأراد أن يفهم ما جرى، فرويت له الحادثة بالتفصيل، وعندها خاطب الملحق العسكري المصري مبارك "كان واقفا" منذ الآن أنت تحت أوامر الأفندم، وذكر اسمي، وأغتنم أيضا هذه الفرصة لأذكركم بأن مبارك تعلم خريطة الطيران في الجزائر، وبالمناسبة استغربت لماذا شن الإعلام المصري حملة على الجزائر. منتقدا نقل المشجعين على طائرات عسكرية وقادتهم كانوا ينقلون الثلاجات من الجزائر إلى القاهرة في نفس النوع من الطائرات.
قلت بأنك مستاء من تأخر رد فعل الأسرة الثورية على الإساءة المصرية للشهداء وإقدام المحامين على حرق العلم الوطني.. ماذا تقترح إذا لرد الاعتبار؟
أسفت كثيرا، لأن الأسرة الثورية تأخرت في الرد على شتم الشهداء، وأسفت أكثر عندما جاء ردهم لا يضاهي شراسة الهجمة الإعلامية التي أهانت الشعب الجزائري وجعلت من أصوله البربرية شتيمة. ومن جريدة "الشروق" أقول لمبارك تذكر إذا سي فضيل البربري الذي علمّك درسا في الاستيقاظ باكرا ولكنك فشلت، وأطلب من السلطات الجزائرية عدم السكوت على الإهانة التي تلقيناها بالصوت والصورة وعلى لسان ابن مبارك، وأنا مستعد إذا طلب مني أن ألقنه نفس الدرس عله يفهم.